تآكل القاعدة وتحويل الأرباح (BEPS)

2019-02-28

بقلم: أ. جواد نبهان سلمان

تآكل القاعدة وتحويل الأرباح (BEPS) (Base Erosion and Profit Shifting) هو ذلك الاصطلاح الذي أطلقته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD على استراتيجيات التخطيط الضريبي التي تستغل الفجوات وعدم التطابق في القواعد الضريبية لتحويل الأرباح بشكل مصطنع إلى مواقع منخفضة الضرائب أو بدون ضرائب حيث يكون النشاط الاقتصادي قليل أو معدوم. على الرغم من أن بعض المخططات المستخدمة قانونية، فإن معظمها غير قانوني. وهذا يقوض نزاهة الأنظمة الضريبية وسلامتها لأن الشركات التي تعمل عبر الحدود يمكن أن تستخدم نظام BEPS للحصول على ميزة تنافسية على الشركات التي تعمل على المستوى المحلي. علاوة على ذلك، عندما يرى دافعو الضرائب أن الشركات متعددة الجنسيات تتجنب بشكل قانوني ضريبة الدخل، فإنها تقوض الامتثال الاختياري لجميع دافعي الضرائب.

وتعتبر هذه الاستراتيجيات ذات أهمية كبرى بالنسبة للبلدان النامية بسبب اعتمادها الكبير على ضريبة دخل الشركات، وخاصة من الشركات متعددة الجنسيات. وبالتالي ترى OECD منذ بداية العمل على مشروع BEPS أنه من المهم إشراك البلدان النامية في جدول الأعمال الضريبي الدولي لضمان حصولها على الدعم لتلبية احتياجاتها الخاصة.

وقد شاركت البلدان النامية منذ بداية مشروع BEPS الذي يناقش أكثر من 80 بلداً نامياً وغيره من البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي OECD وبلدان في غير مجموعة العشرين، التحديات التي تطرحها استراتيجيات BEPS من خلال المشاركة المباشرة في لجنة شؤون المالية العامة، والاجتماعات الإقليمية بالشراكة مع منظمات الضرائب الإقليمية، والمحافل العالمية المواضيعية.
وقد طورت OECD خمسة عشر أسلوباً لكي تقوم الأنظمة الضريبية بالحيلولة دون حدوث تجنبات ضريبية من قبل الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات عن طريق تحويل أرباحها إلى الدول النامية التي يتعتبر نظامها الضريبي غير كفؤ لمعالجة الضرائب الدولية بخصوص تلك الشركات الكبرى، بحيث قامت OECD بعمل خمسة عشر إجراءاً لتزويد الحكومات بالأدوات المحلية والدولية اللازمة للتعامل مع BEPS. وقد أصبح لدى البلدان الآن بالفعل الأدوات اللازمة لضمان فرض الضرائب على الأرباح في الحالات التي يتم فيها تنفيذ الأنشطة الاقتصادية التي تحقق الأرباح حيث يتم إنشاء القيمة الحقيقية للضرائب الدولية التي تسعى الشركات متعددة الجنسيات للتخلص منها عن طريق استراتيجيات BEPS، كما أن هذه الأساليب تمنح الشركات مزيداً من اليقين من خلال الحد من النزاعات حول تطبيق القواعد الضريبية الدولية وتوحيد متطلبات الامتثال للأنظمة الضريبية التي تفرض ضرائب على نشاطات الشركات متعددة الجنسيات.
وتقوم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ودول مجموعة العشرين والدول النامية التي شاركت في تطوير حزمة BEPS بوضع إطار ضريبي دولي حديث يتم بموجبه فرض ضريبة على الأرباح حيثما يحدث النشاط الاقتصادي وإنشاء القيمة الضريبية التي سيتم المحاسبة عليها. وسيتم تنفيذ العمل لدعم جميع البلدان المهتمة بتطبيق هذه القواعد وتطبيقها بطريقة متسقة ومتماسكة، ولا سيما تلك التي يشكل بناء القدرات المالية لها أهمية كبيرة.
وبالتالي، فإن مفهوم ”تآكل القاعدة“ للغايات الضريبية هو استخدام التدابير المالية والتخطيط الضريبي لتقليل حجم أرباح الشركة الخاضعة للضريبة في بلد ما. يتم تحقيق ذلك في كثير من الأحيان عن طريق هيكلة الدخل للحصول على معاملة ضريبية أكثر ملاءمة أو عن طريق إيجاد طرق لشطب نفقات النشاط الاقتصادي مقابل الدخل الخاضع للضريبة. هذا له تأثير الحد من فاتورة ضريبة بالشركة دون ما كان متوقعاً لدفعه.
وينطوي تحويل الأرباح على عمل دفعات لمجموعات أخرى من فروع الشركة متعددة الجنسيات من أجل نقل الأرباح من الولايات القضائية ذات الضرائب العالية إلى الأنظمة منخفضة الضرائب. هذا يعمل على زيادة الأرباح الإجمالية المتاحة لمساهمين المجموعة. في كثير من الأحيان، تأخذ هذه المدفوعات داخل المجموعة (المعروفة باسم "التسعير التحويلي") شكل ضرائب الملكية ودفعات الفائدة، حيث يمكن خصم هذه النفقات من الأرباح قبل الضرائب. ميزة أخرى من هذه الدفعات هو أن بعض السلطات القضائية لديها معدلات ضريبية أقل على هذه الأنواع من الدخل؛ ﻟﻜﺴﻤﱪغ، ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﳌﺜﺎل، ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻧﻈﺎم ﻣﺮﻳﺢ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺑﺸﺄن الضرائب على دخل الملكية.


إن المجموعات المتعددة الجنسيات من الشركات هي الأفضل للتقدم بتكتيكات تجنب الضريبة ضمن نظام BEPS تبعاً إلى العوامل التالية:


١. توفر عملياتها الدولية شبكة من الشركات الجاهزة يمكن أن تتدفق من خلالها أموال المجموعة.


٢. لديهم رأس المال لإنشاء وصيانة الكيانات المستخدمة لأغراض تخفيض الضرائب.


٣. يميل دخلهم إلى أن يكون كبيراً بما يكفي لدعم تكاليف أخذ المشورة بشأن هيكلة الضرائب ووضع والحفاظ على الهيكل الضريبي الموصى به وتحديث الهيكل مع البلدان الأخرى.


أما عن الاستراتيجيات المستخدمة في نظام تآكل القاعدة وتحويل الأرباح (BEPS) فهي:


١. تسعير العلامات التجارية والترخيص / نقل التكنولوجيا: إدارة العلامات التجارية والتصاميم وبراءات الاختراع الخاصة بالشركة متعددة الجنسيات من خلال كيان يطبق معدل ضرائب أقل على الملكية الفكرية، ثم يقوم بتقاضي الشركات الملكية على استخدام العلامة التجارية. وبما أن الملكية تتأثر في كثير من الأحيان بحجب الضرائب، فمن المهم تحديد أولويات الشركة القابضة للملكية الفكرية في أوروبا.


٢. الرسملة المتدنية: من خلال إنشاء شركات تابعة ذات رأس مال قليل من رأس المال الذي تأسست على أساسه المجموعة، بحيث يمكن للمجموعات استخدام أموال مخصصة لتمويل عمليات الشركة الجديدة بالديون. هذا العبء الكبير للديون يجذب النشاطات الضريبية التي لها معاملة مختلفة في بعض الولايات القضائية، وبالتالي يمكن أن تقلل من فاتورة الضرائب الإجمالية للمجموعة إذا تم تنظيمها بشكل صحيح. وقد شملت أحد الخطط التي تم الكشف عنها في عام 2014 استخدام الفرع السويسري لشركة لوكسمبورغ للتمويل لخفض الضرائب على مدفوعات الفائدة هذه.


٣. عوائق عدم التطابق الهجين: يمكن أن تؤدي القواعد الضريبية المختلفة بين البلدان في بعض الأحيان إلى تأثيرات غير مقصودة مثل قاعدة ”عدم الازدواج الضريبي“ ، والتي يمكن استغلالها من قبل الشركات لتخفيض أعبائها الضريبية. وينطبق هذا في المقام الأول على المعاملة الوطنية لبعض الأوراق المالية بطريقة تعامل في البلد الذي يدفع في صورة ديون قابلة للخصم من الضرائب، ولكن ينظر إليها في البلد المتلقِّي كعائد معفى من الضرائب.


٤. وضع الأصول في كيانات بدون مضمون: تقدم بعض البلدان أنظمة ضريبية تفضيلية كطريقة للمنافسة على الأعمال. ومع ذلك، يكون هذا مفيداً فقط إذا بدأت الشركات ذات المحتوى الضريبي في تحديد مكانها في البلد؛ على خلاف ذلك، وهذا من المنافسة الضريبية ببساطة يتمثل بتآكل القاعدة الضريبية في البلد الذي يحدث فيه النشاط. غالباً ما تسمح القواعد الحالية لأصحاب الأعمال بإنشاء ”شركات الأعمال الورقية“ (وهي شركة بلا عمليات موجودة حصرياً لأسباب مالية. على سبيل المثال، قد تقوم شركات الأعمال الورقية بإصدار سند لتمويل شركتها الأم حتى لا تتحمل الشركة الأم المسؤولية مباشرة. تمتلك شركات الأعمال الورقية أصولاً قليلة أو معدومة بخلاف الأصول ذات الطبيعة المالية)، والتي تستفيد من الأنظمة الضريبية المفضلة مثل صناديق البراءات أو خصم ضريبة الملكية الفكرية بنسبة 80٪ في لوكسمبورج.


وعليه، نجد بأن نظام تآكل القاعدة وتحويل الأرباح (BEPS) قد وضع للحد قدر الإمكان من حالات التجنب الضريبي غير المشروع الذي تسعى الدول متعددة الجنسيات للولوج إليه بدون الأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجيات والاعتبارات المتخذة من قبل الدول للحد من التهرب الضريبي، وبالتالي يمكننا القول بأن BEPS نظام فعال يسعى للشفافية والنزاهة الضريبية الدولية، ولكن السؤال المثار هنا: هل جميع استراتيجيات BEPS يمكن الأخذ بها من الناحية العملية أم أنها صعبة الضبط كون أن الشركات متعددة الجنسيات تقوم بما تراه على الأقل مشروعاً من ملاذات ضريبية نظراً لوجود فروع حقيقية لتلك المجموعات؟