مشروع قانون سيزر الأحكام القانونية وفقاً للنظام القانوني الأمريكي

2019-02-28

بقلم: المحامي الدكتور سالم حافظ و الأستاذ جواد سلمان

تتيح دساتير بعض الدول للسلطة التشريعية فيها إصدار قوانين لفرض عقوبات اقتصادية على دولة أخرى لأسباب قد تكون سياسية أو اقتصادية، ويمكن لهذه التشريعات أن تظهر إلى النور بسلاسة في الدول التي يتركز نفوذ السلطة التنفيذية في دستورها بشكل كبير باعتبارها السلطة التي ترسم السياسة العامة للدولة على الرغم من ترسيخ و احترام مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، كما في الولايات المتحدة الأمريكية.

شهدت السنوات الثمانية الأخيرة سلسلة من العقوبات الاقتصادية التي فرضت على الحكومة السورية من قبل جامعة الدول العربية و الاتحاد الاوروبي و من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

و في هذا الاطار صادقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي U.S. House of Senate في شهر أيلول عام 2017م على مشروع قانون Bill الذي كان قد أقر من مجلس النواب الأمريكي U.S. House of Representatives في 15 تشرين الثاني 2016م بالإجماع والذي ينص على فرض عقوبات سياسية واقتصادية لمدة عشر سنوات ضد الحكومة السورية بشكل رئيس و على أية دولة أو منظمة داعمة لها وبشكل خاص تلك التي تتعامل مع البنك المركزي السوري. وقد أطلق على هذا القانون اسم: ” قانون حماية المدنيين السوريين ( قانون قيصر او سيزر ) “ Caesar, Syria Civilian Protection Act of 2019.

و في 23 كانون الثاني 2019م أقر مجلس الشيوخ مشروع القانون هذا بعد إجراء تعديلات عليه وهذا يعني أنه سيعود لمجلس النواب لإقراره بعد التعديل، وفي حال تم إقراره يقوم مجلس النواب برفعه مباشرة لرئيس الولايات المتحدة لتوقيعه والمصادقة نهائياً عليه.

ان مشروع قانون سيزر كان قد طرح للمرة الأولى عام 2014 ولكن الجديد هو المدد الزمنية الجديدة حيث اصبحت 10 سنوات بدلا من سنتين، و يتضمن مشروع قانون سيزر مواد تتعلق بطريقة التعامل مع البنك المركزي السوري ومراقبة أعماله لتحديد ماهيتها وفيما إذا كانت تنطوي على عمليات غسيل أموال أم لا.

وقد رتب مشروع القانون إجراءات خاصة في حال تأكد للحكومة الأمريكية قيام البنك المركزي السوري بأحد الأعمال المنصوص عليها سابقاً، كما تضمن عدة بنود أخرى تتعلق بنفس الموضوع من ضمنها نص المادة الأولى من العنوان 1 التي نصت على أنه يجب على وزير الخزانة (المالية) الأمريكي The Secretary of the Treasury في موعد لا يتجاوز 180 يوماً من تاريخ إصدار هذا القانون أن يحدد ما إذا كانت هناك أسباب منطقية تدعو إلى الاستنتاج بأن للبنك المركزي السوري أنشطة أساسية تتعلق بعمليات غسيل الأموال.
يستهدف مشروع قانون سيزر بشكل عام الحكومة السورية بما في ذلك أي جهة تسيطر عليها بالإضافة إلى الشخصيات السياسية الرسمية رفيعة المستوى. كما تستهدف إلى أي شخص أجنبي أو مقاول عسكري أو جهة شبه عسكرية إذا كانوا يعملون عن عمد وبصفة عسكرية داخل الأراضي السورية مع الحكومة السورية أو لصالحها. وتمتد هذه العقوبات لتشمل حكومة روسيا الاتحادية وحكومة إيران.
كذلك يخضع لسلطان هذا القانون أي شخص أجنبي خاضع للعقوبات بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولي "(The International Emergency Economic Powers Act (50 U.S. Code § 1701" فيما يتعلق بسوريا أو أي حكم قانوني آخر يفرض عقوبات على سوريا (المادة 1، الفقرة 2، الفرع 2/أ من المشروع.(


بالإضافة لما سبق، يطبق مشروع قانون سيزر على كل من يبيع أو يقدم سلعاً أو خدماتٍ أو معلوماتٍ أو تكنولوجيا أو أي دعم آخر يسهم بشكل كبير في صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية من الغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية الأخرى.
كما يطبق مشروع قانون سيزر على من يتعامل مع الحكومة السورية في أعمال النقل الجوي وقطع غيار الطائرات أو أي قطع غيار تستخدم لأغراض عسكرية لصالح الحكومة السورية أو أي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو من قبل القوات الأجنبية المرتبطة بها أو أي شخص يقدم خدمات هندسية للحكومة السورية.
أما بالنسبة للعقوبات التي ينص عليها مشروع قانون سيزر على الأشخاص الأجانب (من غير رعايا الولايات المتحدة الأمريكية) فهي عقوبات تتمثل في عدم منح تأشيرات الدخول إلى أراضي الولايات المتحدة الأمريكية مع إمكانية إبطال التأشيرات الممنوحة سابقاً. بالإضافة إلى العقوبات التي تتركز حول تقييد الملكية للأشخاص الذين يوجد لهم أملاك في الولايات المتحدة الأمريكية وتجميد الأصول التابعة لهم في البنوك الأمريكية.
يجب الإشارة إلى أن تطبيق هذه العقوبة ينطوي على الكثير من التعقيدات وهو بحاجة إلى إعلان حالة طوارئ وطنية State of National Emergency والتي يتم إعلانها من قبل رئيس الولايات المتحدة٬ علماً أن مشروع قانون سيزر يتوافق مع ما نصت عليه قوانين الطوارئ الأمريكية السابقة من عدم جواز دخول المواطنين الأمريكيين في صفقات تجارية أو أنشطة وتعاملات مالية أو عمليات التصدير وإعادة التصدير مع أي من الأشخاص أو الجهات الذين تنطبق عليهم أحكام هذا المشروع.


وفي حال تم إقرار مشروع قانون سيزر وتنفيذه فإنه سيشكل ضغطاً كبيراً على النظام الاقتصادي السوري والمتعاونين معه اقتصادياً وخصوصاً في مرحلة إعادة الإعمار التي تتسابق الكثير من الدول على المساهمة فيها و خصوصا بعد ان قامت الكثير من الدول باعادة فتح سفاراتها في سوريا و تفعيل العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية و الدعوة الى اعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وسينعكس هذا الضغط بشكل واضح على الحركة الاقتصادية للعديد من الشركات والمشاريع التجارية التي لديها تعاملات مع الحكومة السورية، حيث أنه سيكونوا عرضة لهذه العقوبات التي ستؤدي إلى انحسار المعاملات التجارية لهم وتقييد تعاملهم بالدولار الأمريكي كونه يعد العملة الأولى في السوق المالية العالمية.
كما ان تطبيق هذا المشروع لن يخلو من الآثار السلبية على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي على المدى البعيد٬ حيث أن هذه العقوبات ستجبر الكثير من الشركات الأمريكية حول العالم على إلغاء التعاملات المباشرة وغير المباشرة مع الدول والجهات والأشخاص الذين لهم تعاملات مالية وتجارية مع الحكومة السورية بما في ذلك المعاملات التي تم الاتفاق عليها والبدء بتنفيذها سابقاً.


على ما يبدو فان المتضرر الاكبر من مشروع قانون سيزر في حال إقراره سيكون الشعب السوري ، حيث لم تزده العقوبات الاقتصادية المفروضة خلال سنوات الحرب السورية الثمانية السابقة الا معاناة بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية ووقود التدفئة ووقود السيارات و الأدوية و المواد الطبية٬ بالاضافة إلى النقص الكبير في توليد الطاقة الكهربائية .