دولـــــة فــــلســــــطين
السلطــــة القضائيـــة
المحكمة العليا / محكمــة النقض
"الحكـــــــم"
الصادر عن المحكمة العليا / محكمة النقض المنعقدة في رام الله المأذونة بإجراء المحاكمة وإصداره
بإسم الشعب العربي الفلسطيني
الهـيئـــــــــة الحـاكـمـــة بـرئاســـــــــة الســــــــــيد القاضـــــي عماد مسوده
وعضويـــة السادة القضاة : نزار حجي ، زاهي البيتاوي ، أحمد ولد علي ، ياسمين جراد
الطــاعن : الحق العام (النيابة العامة) .
المطعون ضده : علا.فية / كفر ثلث - قلقيلية .
وكيله المحامي : بهاء بشارات / قلقيلية .
الاجراءات
بتاريخ 13/04/2025 تقدمت النيابة العامة بهذا الطعن لنقض الحكم الصادر عن محكمة إستئناف نابلس بتاريخ 20/03/2025 في الإستئناف الجزائي رقم 33/2025 ، القاضي برد الإستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف .
تتلخص أسباب الطعن بما يلي :
لهذه الأسباب تطلب النيابة العامة قبول الطعن شكلاً وموضوعاً ، وبالنتيجة نقض القرار المطعون فيه وإصدار القرار المتفق مع الأصول والقانون .
المحكمة
بالتدقيق والمداولة قانوناً ، نجد بأن الطعن مقدم بالميعاد القانوني ، فتقرر قبوله شكلاً.
وفي الموضوع ، وعلى ما أنبأت عنه أوراق الدعوى أن النيابة العامة كانت قد أحالت المتهم المطعون ضده إلى محكمة بداية قلقيلية لمحاكمته عن تهمة محاولة اقتطاع جزء من الأراضي الفلسطينية لضمها إلى دولة أجنبية وفق المادة (1/2) من القرار بقانون رقم 20 لسنة 2014 بشأن تعديل المادة 114 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 ، وذلك بموجب قرار ولائحة اتهام جاء بتفاصيلها "أنه وفي شهر 7 من عام 2023 قام المتهم أعلاه مع متهم آخر عسكري وبالاتفاق بينهما بمحاولة اقتطاع جزء من أراضي الدولة الفلسطينية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي ، حيث قاما بالتواصل مع شركات إسرائيلية وتم مراسلة شخص إسرائيلي يدعى لي..رج ، وذلك لبيعه قطعة أرض تقع خلف جدار الفصل العنصري وقريبة من مستوطنة الفي منشية (المقامة على الأراضي الفلسطينية) المسماة الخرابة وقطعة أرض رقم 533 من الحوض رقم 6 من أراضي كفر ثلث قضاء قلقيلية التي تملكها والدة المتهم الشاهدة ف.اء ، حيث قام المتهم بالتواصل مع الشخص الإسرائيلي المذكور والتحدث معه بتفاصيل بيع قطعة الأرض وعرضها عليه ، حيث أن الأخير ابدى موافقته واستعداده للشراء ومن ثم قام المتهم المذكور أعلاه بإرسال صورة عن الأوراق الخاصة للأرض للشخص الإسرائيلي لتلك الغاية ، وحيث أن ما أقدم عليه يشكل جرماً يعاقب عليه القانون) .
باشرت المحكمة المختصة إجراءات المحاكمة وسماع البينات ، وبالنتيجة أصدرت حكمها بتاريخ 17/12/2024 والمتضمن إعلان براءة المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم كفاية الأدلة .
لم ترتضِ النيابة العامة بالحكم ، فبادرت للطعن فيه بالاستئناف لدى محكمة استئناف نابلس بالاستئناف رقم 33/2025 ، حيث نظرت فيه وبنهاية الإجراءات أصدرت حكمها بتاريخ 13/04/2025 والمتضمن رد الطعن موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف .
لم ترتضِ النيابة العامة بالحكم ، فطعنت فيه لدى محكمتنا بموجب الطعن الماثل .
وعودة على أسباب الطعن ، وفيما يخص السبب الأول ، وحاصله النعي على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون ، حيث قررت المحكمة مصدرة الحكم بطلان جميع الإجراءات التحقيقية التي تمت مع المطعون ضده واستبعادها بما فيها استجواب المتهم من قبل وكيل نيابة أريحا بدعوى مخالفة ذلك لقواعد الاختصاص المكاني المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية النافذ .
وفي القانون نصت المادة 163 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 "يتعين الاختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه فيه ...) ، كما نصت المادة 57 من ذات القانون (لوكيل النيابة العامة إذا اقتضى الأمر إتخاذ إجراء من الإجراءات خارج اختصاصه أن ينيب عنه وكيل نيابة تلك الدائرة الذي يكون له جميع الصلاحيات بهذا الشأن) ، ونصت المادة 21/2 من ذات القانون (يكون من مأموري الضبط القضائي ضباط وضباط صف الشرطة كل في دائرة اختصاصه).
في ضوء النصوص المذكورة أعلاه ، فإن الاختصاص المكاني وفق منطوق المادة 163 إجراءات جزائية ينعقد حصراً للمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو مكان القبض على المتهم أو مكان إقامته تحت طائلة البطلان وهو بطلان متعلق بالنظام العام تثيره المحكمة من تلقاء نفسها ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ، أي أن المحاكم تختص بنظر الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصها أو التي يرتكبها المتهم المقيم في دائرة اختصاصها أو أن يكون قد ألقي القبض على المتهم في حدود دائرة اختصاصها ، وما ينسحب على المحاكم ينسحب على النيابة العامة من حيث الاختصاص المكاني ، وهي بصدد قيامها بالتحقيق الإبتدائي إلا أن المشرع قد ورد استثناءً بموجبه فوض وكيل النيابة العامة بأن ينيب غيره من وكلاء النيابة العامة للقيام ببعض الإجراءات خارج حدود دائرة اختصاصه ، إلا أنه ينبغي ألا يكون ذلك على إطلاقه بمعنى أن يكون محدوداً في نطاق معين وليس كامل الاختصاص لأن عبارة أن وكيل النيابة المناب له جميع الصلاحيات التي يتمتع بها وكيل النيابة الأصيل تكون في حدود الإجراء أو الإجراءات موضوع الإنابة ، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال نقل كامل اختصاصه إلى النيابة المنابة كأن يتنازل عن التحقيق مع المتهم الذي ارتكب الجرم أو ألقي القبض عليه أو مقيم في دائرة اختصاص وكيل النيابة الأصيل .
وبتطبيق ذلك على وقائع وإجراءات الدعوى ، نجد من الثابت أن المتهم المطعون ضده مقيم في كفر ثلث قضاء قلقيلية ، وأن مكان ارتكاب الجريمة موضوع الدعوى الماثلة هو كفر ثلث قلقيلية ، وأن مكان إلقاء القبض عليه أيضاً في قلقيلية ، كما نجد من الكتاب الصادر عن المخابرات العامة في قلقيلية والموجه إلى رئيس نيابة قلقيلية تحت عنوان محضر تحريات المؤرخ في 28/11/2023 المبرز ضمن الملف التحقيقي يتحدث عن قيام عن واقعة محاولة تسريب وبيع قطعة أرض لصالح شركات إسرائيلية في أواخر شهر 7/2023 ، وأنه بتاريخ 24/09/2023 قام المتهم المطعون ضده حوالي الساعة 6:00 مساءً بالتوجه إلى معبر الكرامة في أريحا من أجل الفرار إلى الأردن بعد إبلاغه بالاستدعاء للمخابرات العامة في قلقيلية ، كما جاء بمحضر التحريات المذكور أن المخابرات العامة بتاريخ 27/09/2023 قد أوقفت المتهم المطعون ضده على ذمة النيابة العامة على تهمة حيازة سلاح ناري بدون ترخيص في حين أن محضر التحريات يتحدث عن محاولة بيع قطعة أرض تعود لوالدته لشركة إسرائيلية كما ذكر سابقاً .
وأنه تم عقب توقيفه على تهمة حيازة سلاح ناري بدون ترخيص إحالته إلى مركز توقيف أريحا دون أي مبرر أو سند قانوني لذلك .
كما نجد بأن نيابة أريحا وبإنابة من نيابة قلقيلية قامت باستجواب المطعون ضده عن تهمة محاولة تسريب قطعة أرض للعدو بتاريخ 05/12/2023 و 06/12/2023 .
ولما كان هذا الذي سلكته نيابة قلقيلية بانتداب نيابة أريحا باستجواب المتهم المطعون ضده عن تهمة محاولة تسريب قطعة أرض للعدو في الوقت الذي كان موقوفاً على تهمة حيازة سلاح ناري بدون ترخيص في أريحا دون سند قانوني سليم يبرر إحالته إلى أريحا ، فإن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف باستبعاد محاضر استجواب المتهم المطعون ضده أمام نيابة أريحا لمخالفتها لقواعد الاختصاص المكاني من عداد البينات تكون قد طبقت صحيح القانون في معالجتها لشرعية الإجراءات المشار إليها تطبيقاً سليماً نقرها عليها ، وبالتالي يغدو هذا السبب غير وارد ونقرر رده .
أما بخصوص السبب الثاني ، وحاصله استبعاد الملف التحقيقي رقم 8/2024 نيابة عسكرية المتعلق بالمتهم العسكري قي.ية ، فإننا نجد استبعاد محكمة الاستئناف للملف التحقيقي المشار إليه تعد صادف تطبيق صحيح القانون لمخالفته قواعد الاختصاص المكاني ، إذ من الثابت أن من قام باستجواب المتهم العسكري فيس هي النيابة العسكرية في أريحا بناءً على إنابة من النيابة العسكرية في قلقيلية ، ومنعاً للإطالة والتكرار نحيل باقي الإجابة عن هذا السبب لما أوضحناه بمعرض معالجتنا للسبب الأول بخصوص ضوابط الاختصاص المكاني ، وبالتالي يكون هذا السبب غير وارد ونقرر رده .
أما بخصوص باقي أسباب الطعن ، فقد انصبت على أن القرار المطعون فيه جاء ضد وزن البينة ومشوب بالقصور من حيث التعليل والتسبيب فيما يخص شهادة الشاهد علا.ة ، وفي ذلك نجد بأن إجتهاد محكمتنا قد استقر على أنه لا رقابة لمحكمتنا على محكمة الموضوع في وزن وتقدير البينات ، طالما أنها قد أحاطت بتلك البينات إحاطة شاملة وكافية والتي لها أصل ثابت في أوراق الدعوى ، وأن استخلاصها منها عنصر الإدانة أو البراءة كان استخلاصاً سائغاً منطقاً وقانوناً ، إلا أنه يقتضي الإشارة إلى أن هناك فرق واسع بين تقدير الدليل ومعالجته من ناحية قانونية ، فالمعالجة القانونية للدليل هي جوهر رقابة محكمة النقض لأنها تتصل بقانونية الدليل وصلاحيته بالبناء عليه بالحكم ، وبتطبيق ذلك على شهادة الشاهد عل.دة ، فإننا نجد بأن محكمة الاستئناف لم تعالج هذه الشهادة معالجة قانونية سليمة وكافية ، رغم أنها كانت شهادة مباشرة انصبت على أركان وعناصر تهمة محاولة بيع واقتطاع جزء من أراضي الدولة وضمها لدولة أجنبية المنصوص عليها بالمادة ½ من القرار بقانون رقم 20 لسنة 2014 بشأن تعديل المادة 114 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 16 لسنة 1960 ، ذلك أن الشهادة المباشرة هي ما رآه الشاهد أو سمعه أو قام به بنفسه بشكل مباشر ، وهذا ما نجده في شهادة علاء المذكور ، الذي سمع من المتهم مباشرة أكثر من مرة وهو يقول له أنه يريد بيع قطعة الأرض التي تعود لوالدته والتي تقع خلف الجدار للعدو كي يشاركه في المحددة ، وأنه قام بالتواصل مع شركات إسرائيلية لبيع الأرض لهم ومن ذلك قوله (...وقال لي هو وابن عمته بدهم يبيعوا أرض في المنطقة عندنا وأن الأرض ما وراء الجدار وقال لي إن هذه الحصة لأمه وبدهم يبيعوها لليهود وأن المتهم متواصل مع رجل أعمال إسرائيلي تعرف عليه عن طريق ابن عمه .س وأنا بلغت المخابرات بقلقيلية ... إن المتهم قعد معي أكثر من 15 مرة وقال لي بدو يبيع الأرض مع ابن عمه ق.س ... وإن المتهم كان يتواصل مع رجل أعمال إسرائيلي على التلفون وإنني كنت أسمع المكالمات بين المتهم ورجل الأعمال الإسرائيلي وكان المكالمة بالانجليزي وإن المتهم حكالي وهو كان يحكيلي وما سمعت المكالمة وأن المكالمات مسجلات على بلفون المتهم وإنه كان يقلي شو الفحوى ...) ، فالقول بأن ما جاء على لسان الشاهد المذكور هو قول مجرد وأن الشاهد لم يشاهد شيء على أرض الواقع وكل ما قاله استقاه من المتهم ولا نودي فيما إذا كان المتهم يقول له الصحيح أم لا ، وأنه لا بينة أخرى تدعهما هو تعليل للقانون والعقل والمنطق ، فهذه شهادة مباشرة سمعها الشاهد من المتهم أكثر من مرة وهي ليست بحاجة لدليل آخر يؤيدها ، فالبينة في الدعاوي الجزائية مبنية على قناعة قاضي الموضوع وهي وفقاً للمادة 207 إجراءات جزائية تقام بكافة طرق الإثبات ومنها الشهادة ، إلا إذا نص القانون على طريقة معينة في الإثبات .
فمن حيث التطبيقات القانونية للمادة ½ من القرار بقانون رقم 20 لسنة 2014 اعتبر المشرع من حاول بأعمال أو خطب أو كتابات أو بغير ذلك أن يقتطع جزء من الأراضي الفلسطينية بهدف ضمها إلى دولة أجنبية أو أن يملكها حقاً أو احتيازاً خاصاً ... إلخ ، بمعنى أن المشرع لم يحدد صور ووسائل التجريم على سبيل الحصر وإنما ترك ذلك لاجتهاد قاضي الموضوع اعتبار ما قام به المتهم من أفعال هو محاولة بيع بدليل قوله (أو بغير ذلك) فليس شرط أن يكون المتهم وسيطاً بين البائع والمشتري وليس شرطاً أن يكون مالكاً أيضاً للأرض ، وبالتالي فإن النعي على ما قام به المتهم بأنه لا يخرج عن نطاق الأعمال التحضيرية في ضوء تواصله من رجل أعمال إسرائيلي لغايات بيع قطعة الأرض خاصة والدته مما يجعل الحكم المطعون فيه قاصراً من حيث التعليل والتسبيب القانوني السليم ، وجاء ضد وزن البينة وخالياً من كفاية أسباب الموجب لتأييد حكم البراءة ، مما يجعل الطعن وارداً على الحكم المطعون فيه من هذه الجهة ، ومستوجباً نقضه .
لذلك
تقرر المحكمة قبول الطعن موضوعاً ، ونقض الحكم المطعون فيه ، وإعادة الدعوى لمصدرها للسير فيها على ضوء ما بيناه ، على أن تنظر من هيئة مغايرة .
حكماً صدر تدقيقاً باسم الشعب العربي الفلسطيني بتاريخ 25/08/2025