دولـــــة فــــلســــــطين
السلطــــة القضائيـــة
المحكمة العليا / محكمــة النقض
"الحكـــــــم"
الصادر عن المحكمة العليا / محكمة النقض المنعقدة في رام الله المأذونة بإجراء المحاكمة وإصداره
بإسم الشعب العربي الفلسطيني
الهـيئـــــــــة الحـاكـمــــــــة بـرئاســـــــة القاضــــي السيــــــد عدنان الشعيبي
وعضويـة القضـاة السـادة : بسام حجاوي ، فواز عطية ، مأمون كلش،ثائر العمري
الطــــاعــــن : أشرف عمر محمود القواسمي/ العيزرية - القدس
وكيله المحامي هاني مطر/ العيزرية - القدس
المطعـــون ضده : مراد إبراهيم محمد عايش/بيت لحم
وكيلاه المحاميان باسمة عيسى و/أو مهند عيسى/ بيت لحم
الإجـــــــــــراءات
تقدم الطاعن بهذا الطعن بتاريخ 5/5/2022، لنقض الحكم الصادر بتاريخ 27/3/2022 عن محكمة استئناف الخليل في الاستئناف المدني رقم 1813/2021 القاضي : "برد الاستئناف موضوعا، وتأييدالحكم المستأنف محمولا على الأسباب التي تم بيانها أعلاه، وتضمين المستأنف الرسوم والمصاريف و50 دينارا أردنيا أتعاب محاماة عن هذه المرحلة من مراحل التقاضي".
المحكمـــــــــة
بالتدقيق وبعد المداولة، ولما كان الطعن مقدما ضمن الميعاد ، مستوفياً لشرائطه الشكلية، تقرر قبوله شكلا.
وفي الموضوع، وعلى ما أنبأ عنه الحكم الطعين وسائر الأوراق المتصلة به، تقدم المدعي "الطاعن" ضد المدعى عليه "المطعون ضده" بالدعوى المدنية رقم 122/2012 امام محكمة بداية بيت لحم، موضوعها المطالبة بتعويضات بمبلغ 90 ألف دينار أردني، على سند من القول أن المدعى عليه قام بإفساد الرابطة الزوجية ما بين المدعي وزوجته هبة محمد يحيى تميمي، ذلك أنه بتاريخ 18/4/2010 وبناء على شكوى المدعي أحيل المدعى عليه من قبل وكيل نيابة بيت لحم إلى محكمة صلح بيت لحم ، بلائحة اتهام اسند إليه تهمة افساد الرابطة الزوجية خلافا لأحكام المادة 304/1 من قانون العقوبات النافذ، حيث كانت القضية تنظر ضمن الدعوى الجزائية رقم 589/2010 صلح جزاء بيت لحم، وأنه بتاريخ 11/7/2011 صدر حكم في القضية المرقومة بإدانة المدعى عليه عن التهمة المسندة إليه ، والحكم عليه بالحبس لمدة 4 أشهر، التي تأيدت استئنافاً بالاستئناف رقم 188/2011 المقدم من المدعى عليه، ما تسبب الفعل المنسوب إلى المدعى عليه باضرار مادية ومعنوية بالمدعي، وطالب بموجب البند 5 من صحيفة الدعوى بالتعويضات المفصلة عن ذلك الجرم المقترف من المدعى عليه المذكور.
في حين تقدم المدعى عليه بلائحة جوابية، جاء فيها أن الدعوى واجبة الرد لعدم صحة الخصومة، لعدم تبلغه الحكم الجزائي موضوع الدعوى المدنية، وأنه لا يعلم عن بنود الدعوى، وبنتيجة المحاكمة الجارية بتاريخ 29/11/2021 قضت المحكمة : "برد دعوى المدعي لعدم اثبات وجود ضرر لحق به، ولعدم اقامتها على سبب قانوني سليم، وتضمينه الرسوم والمصاريف و100 دينار أردني أتعاب محاماة".
لم يرتضِ المدعي بحكم محكمة أول درجة، فبادر للطعن فيه استئنافا امام محكمة استئناف الخليل بموجب الاستئناف المدني رقم 1813/2021، وبنتيجة المحاكمة قضت بتاريخ 27/3/2022 : "برد الاستئناف موضوعا وتأييد الحكم المستأنف من حيث النتيجة" ، الذي لم يلقَ قبولا من المدعي، فبادر للطعن فيه بالنقض الماثل للأسباب الواردة فيه.
تبلغ المطعون ضده أصولا إلا أنه لم يتقدم بلائحة جوابية.
وعن أسباب الطعن، ولما كانت جميع الأسباب تنحصر في واقعة واحدة تتصل بتخطئة محكمة الاستئناف
في النتيجة التي توصلت إليها، لعدم تطبيقها صحيح احكام القانون فيما يتعلق بعناصر المسؤولية التقصيرية، نتيجة عدم وزن البينات وزنا سليما على وقائع الدعوى الماثلة، في ظل توفر احكام قضائية صادرة عن المحكمة الجزائية المختصة التي أدانت المطعون ضده بحكم جزائي بات عن تهمة افساد الرابطة الزوجية، وأن أخذها بشهاد المدعو محمد يحيى التميمي ، جاء على خلاف القانون، لأنها مبينية على السماع.
في ذلك نجد، وبعد الاطلاع على واقعات الحكم الطعين وعلى أسباب الاستئناف المقدم من المدعي، وهي ذات الأسباب الواردة في الطعن الماثل، فقد توصلت المحكمة مصدرته إلى نتيجة مفادها أن المسؤولية التقصيرية تتطلب اثبات عناصرها الثلاث، الفعل الضار والنتيجة والعلاقة السببية... وأن المحكمة تجد أن المدعي المستأنف ومن خلال البينات المقدمة، عجز عن اثبات العلاقة السببية بين فعل المستأنف عليه والضرر الذي يدعيه، المتمثل بطلاقه من زوجته، إذ ثبت للمحكمة أن سبب طلاقها مرتين منه يعود إلى حجم الخلافات واستحالة المعيشة والقطيعة التامة لسنوات بينهما منذ اللحظة الأولى لزواجهما، ولعدم تقديم بينة كافية لإثبات الضرر الذي يدعيه المدعي، ولعدم ثبوت أن هذا الضرر وعلى فرض صحته ناتج عن فعل المستأنف عليه، الذي أدين به من قبل المحكمة الجزائية، فإن المدعي والحالة هذه يكون قد عجز عن اثبات عناصر دعواه...
وإزاء هذا الذي سطره الحكم الطعين، يتضح جليا أن مصدرته الطعين قد اقامت حكمها، بناء على منهج القاضي الجزائي في تسبيب الاحكام، لاسيما وأن ذلك يظهر بصورة جلية بقولها لعدم تقديم بينة كافية لإثبات الضرر ... ولعدم ثبوت أن هذا الضرر وعلى فرض صحته ناتج عن فعل المدعى عليه الذي أدين به من قبل المحكمة الجزائية...
إن ما يستدل من تلك النتيجة، فإن محكمة الاستئناف سلكت دور القضاء الجزائي في تسبيب حكمها لتكوين
مبدأ الاقتناع، وهذا الدور الذي رسمه المشرع يتصل فقط في قانون الإجراءات الجزائية النافذ، وبالتالي
رسمت لذاتها دورا خارجا عن اختصاصها في تسبيب الاحكام.
ولما كان القاضي الجزائي له أن يبحث عن الحقيقة بتقييم أدلة الاثبات من خلال حرية تكوين القناعة، على أساس أن القاضي الجزائي له دور إيجابي ضمن سلطته في قبول الدليل وتقدير الأدلة، فإن هذا النهج، لا يستقيم مع دور القاضي المدني الذي له دور محدد في الدعاوى المدنية عند اصدار احكامه بناء على الجزم واليقين لا الظن والتخمين تأسيساً على البينة المقدمة امامه.
لذلك، فإن محكمة الاستئناف ورغم توفر دليل قاطع أمامها يتصل بحكمين جزائيين سبق لها أن تعرضت لهما في حكمها الطعين، ومن خلالهما تم إدانة المدعى عليه المطعون ضده عن جنحة إفساد الرابطة الزوجية، وهذا الحكم إشتمل على تحديد جميع أركان تلك الجريمة، أولها فعل النشاط الإيجابي (التحريض) الذي صدر عن المشتكى عليه المطعون ضده، كما ثبت لمحكمة الجزاء وفق ما جاء في الحكم الجزائي الصادر عن محكمة صلح بيت لحم في القضية الجزائية رقم 58/2010 تاريخ 11/7/2011 ، المؤيد من محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في القضية رقم 188/2011 تاريخ 13/10/2011، ثبت لها من وقائع الدعوى العمومية الثابتة لديها أن المدعى عليه حثّ فيه المرأة (زوجة المدعي )على ترك بيتها لتلحق برجل غريب وأن المشاكل بين الزوجين (المدعي وزوجته هبة) كانت نتيجة قيام المتهم مراد عايش بلقاء زوجة المدعي والتحدث معها لتحريضها على ترك بيت زوجها والطلاق منه، وأنه ثبت للقاضي الجزائي أن أُلقي القبض على المدعوة هبة وهي في مدينة بيت لحم مع المتهم، واكتشف أمرها أثناء حجزهما لغرفة في احدى الفنادق العاملة في بيت لحم....وثبت للمحكمة الجزائية أن هذا التحريض صادر عن المدعى عليه الى زوجة المدعي، ونتيجة لذلك التحريض تركت زوجة المدعي بيت الزوجية... وثانيهما العلاقة السببية، نتيجة هذا الافساد في العلاقة الزوجية تحقق القاضي الجزائي من حصول مشاكل وحدوث الطلاق بينهما، وهذا الامر يعد العلاقة السببية في وقوع الجريمة المذكورة، باعتبار أن نشاط المشتكى عليه (المدعى عليه)هو ما أدى الى ترك المرأة بيتها وبإفساد علاقتها بزوجها، ولما ثبت للقاضي الجزائي أن إستعمال المتهم المدعى عليه في هذه الدعوى الماثلة أساليب تحريضية بالترغيب، والمقصود منها أن يكون التحريض واقعا بسبب طلب زواجها منه، والذي يعد الهدف والغاية من إستعمال الأساليب التحريضية، المتمثل بإجبار المرأة على ترك بيتها لتلحق برجل غريب عنها لإفسادها عن زوجها، الامر الذي توفر معه العنصر الثالث وهو العلم والإرادة من الجاني، أي أنه كان مريدا للفعل عالما بكونه فعلا مجرما، وهذا ما يسمى قانونا بالقصد الخاص، وفق ما جاء في حيثيات الحكم الجزائي، اذ أن المتهم المدعى عليه كان عالما بأن ما يقوم به من تحريض معاقب عليه، وأن إرادته الحرة المدركة المميزة، إتجهت الى إرتكاب هذا النشاط راغبا بحصول إفساد الرابطة الزوجية.
وإزاء الواقع المذكور، ولما كان المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن حجية الحكم الجزائي أمام المحكمة المدنية، شرطه فصله فصلا لازما في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين المدنية والجزائية، وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، مؤداه تأسيس الحكم الجزائي بإدانة المطعون ضده وتأييد الحكم من محكمة البداية بصفتها الاستئنافية لهذا القضاء وصيرورته نهائيا باتا، أثره إسباغ حجية الأمر المقضى به المانعة من معاودة بحثه مرة أخرى من قبل أية محكمة، مؤيده في ذلك حكم المادتين 111 و112 من قانون البينات النافذ.
وبناء على ما تقدم، ولما خرجت محكمة الاستئناف عن مؤدى حكم المادتين المذكورتين، ولم تولي أي اعتبار للحكم الجزائي وما ورد فيه من وقائع حدد فيه أسباب الخلاف بين الزوجين أدى بالنتيجة إلى الجرم المرتكب من المدعى عليه، وانما ببحثها عن أدلة لتغيير مجرى حجية الحكم الجزائي، فإن النتيجة التي توصلت إليها تغدو خاطئة، بعيدة كل البعد عن الصواب، مما يجعل من الطعن واردا على الحكم الطعين لما شابهه من فساد في الاستدلال بسبب العيب الذي لامس الاستنباط، الامر الذي لازمه ومقتضاه البطلان، منوهين أنه كان عليها أن توجه ذهنها إلى وزن البينات بحدود صحة المطالبة وقيمة الاضرار التي لحقت بالمدعي، إن كانت متصلة بالحكم الجزائي، واعمال صلاحياتها القانونية في تقدير الأدلة بالحد الذي ثبت فيه ارتكاب المدعى عليه لجرم افساد الرابطة الزوجية.
لهــــــــذه الأسبـــــــــاب
نقرر قبول الطعن موضوعا، وإعادة الأوراق لمصدرها للعمل بالحكم الناقض وفق ما تم بيانه ، ومن ثم إصدار حكم أصولي، وعلى أن ينظر من هيئة مغايرة.
حكماً صدر تدقيقاً باسم الشعب العربي الفلسطيني 22/7/2024
الكاتــــــــب الرئيـــــــس
س.ر