السنة
2019
الرقم
501
تاريخ الفصل
1 ديسمبر، 2019
المحكمة
محكمة النقض
نوع التقاضي
طعون جزائية
التصنيفات

النص

دولـــــة فــــلســــــطين

السلطــــة القضائيـــة

محكمــة النقض

"الحكـــــــم"

الصادر عن محكمة النقض المنعقدة في رام الله المأذونه بإجراء المحاكمة وإصداره

 بإسم الشعب العربي الفلسطيني

الهـيئـــــــــة الحـاكـمـــة بـرئاســـــــــة الســــــــــيد القاضـــــي خليل الصياد

وعضويــــة الســادة القضــاة :فريد عقل ، آرليت هارون ، أمجد لباده ، سائد الحمد الله  

الطــاعـــــــــــن : ع.ش / الظاهرية

                   وكيله المحامي : ناصر عمرو / الخليل

المطعـون ضده  : الحق العام

                                                          الإجـــــــــــراءات

-   بتاريخ 3/11/2019 تقدم الطاعن بواسطة وكيله بهذا الطعن لنقض الحكم الصادر عن محكمة بداية الخليل بصفتها الاستئنافية بتاريخ 31/10/2019 في القضية الاستئنافية الجزائية رقم 125/2015 المتضمن الحكم برد الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف.

-   وتتلخص أسباب الطعن بما يلي :-

1- خالفت محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في حكمها المطعون فيه اصول القانون واحكامه بصوره واضحة ويكون والحاله هذه في غير محله وغير سليم ومتناقض مع البينة المقدمة...

2- كان على محكمتي الموضوع تكييف التهمة المسنده للمتهم الطاعن كونها لا تتفق مع وقائع الدعوى...

3- لقد ثبت من خلال البينات المقدمه والمستمعه بأن الطفل المصاب كان لديه الكثير من الاشكاليات الصحية سببها إهمال الاهل حيث تم اخراجه من المستشفى على عاتق الاهل في نفس يوم ولادته مع امه رغم أن الولاده تمت بعملية قيصرية ، ولم تجري له الفحوصات الطبية اللازمه في المستشفى ، كما واثبتت اللجان الطبية التي شكلت لهذه الحادثه ان هناك امراض مزمنه ما بين الام والاب (عدم التجانس) كلها كان لها علاقة وأساس لحالة الطفل...

4- أخطأت محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في حكمها المطعون فيه كونها لم تعالج ولم تأخذ بعين الاعتبار ان الطفل المصاب أحضر لعيادة صحة الظاهريه في اليوم التالي لولادته حسب ادعاء الاهل ولم يتم تسجيله في السجلات الرسمية وادخل لغرفة الطبيب الطاعن حسب افادة الاهل رغم ان الطاعن لا يذكر انه دخل عليه الغرفه وعزر ذلك انه غير مسجل في سجلات المركز...

5-أخطأت محكمة البداية بصفتها الاستئنافيه في حكمها المطعون فيه كونها لم تعالج ولم تأخذ بعين الاعتبار انه تم عرض الطفل على عيادة الصحة ذاتها في اليوم التالي من عرضه على الطبيب الطاعن ، حيث لم يكن الطبيب الطاعن مداوماً في هذه العيادة في ذات اليوم....وكان هناك طبيباً آخر مداوم في عيادة الظاهرية أجرى هذا الاخير للطفل المصاب فحص الكعب وفقاً للأصول الطبية...

6- ان جميع اللجان التي شكلت للتحقيق في هذه الحادثه سواء التي شكلت من قبل وزارة الصحة او من قبل نقابة الاطباء توصلت جميعها بأن لا علاقه للطبيب الطاعن بحالة الطفل المصاب ولا يوجد محل لربطه بهذه الحالة.

7- أخطأت محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في حكمها المطعون فيه بوزن البينة وتطبيق القانون على وقائع الدعوى...

8- أخطأت محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في حكمها المطعون فيه طلب وكيل الدفاع تعيين خبير مختص في مرض الصفار من أجل تبيان اسبابه ومراحله ونتائجه وعلاقة الطبيب الطاعن به...

9- لم تعالج محكمة البداية بصفتها الاستئنافيه في حكمها المطعون فيه ما ورد على لسان شهود النيابة العامة وخاصة الممرضه بأنهما طلبا من مرافق الطفل اجراء الفحص المخبري له ولم يقم الاهل باجراء هذا الفحص .

10- بينات النيابة العامة جاءت متناقضه غير جازمه ولا تصلح أساساً للحكم...

11- الحكم المطعون فيه مشوب بعيب الجهالة والغموض والتناقض وفساد في الاستدلال...

12- أخطأت محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في الابقاء على مقدار العقوبة المحكوم بها الطاعن

- لهذه الاسباب يطلب وكيل الطاعن قبول الطعن شكلاً لتقديمه ضمن المدة القانونية ، وفي الموضوع نقض الحكم المطعون فيه واصدار الحكم المتفق وصحيح القانون.

- بتاريخ 12/11/2019 قدمت النيابة العامة مطالعة خطية طلبت بنتيجتها رد الطعن شكلاً وموضوعاً واتخاذ المقتضى القانوني.

المحكمــــــــــة

-   بعد التدقيق والمداولة قانونا ً نجد أن الطعن مقدم ضمن المدة القانونية فنقرر قبوله شكلاً .

-   وفي الموضوع ، وقبل الرد على اسباب الطعن

-   وبالرجوع الى لائحة الاتهام نجد ان التهمة المسنده للمتهم ع.ش هي الايذاء غير المقصود خلافاً لاحكام المادة 344/1 من قانون العقوبات.

-   وبالرجوع الى محضر المحاكمة لدى محكمة الدرجة الاولى نجد انه وفي جلسة 11/11/2012 بحضور المشتكي ط. ووكيله والمتهم ع.ش ووكيله  ، حيث نبه المتهم الحاضر بالاصغاء لما سيتلى عليه من قبل النيابة العامة وتليت عليه لائحة الاتهام وتفاصيلها والتهمة المسنده اليه وهي الايذاء غير المقصود خلافاً لاحكام المادة 344/1 من قانون العقوبات ، فاجاب المتهم بأنه غير مذنب.

-   وبالرجوع الى حكم محكمة الدرجة الاولى الصادر بتاريخ 15/2/2015 في القضية الجزائية رقم 1682/2012 نجد ان المحكمة في سردها للوقائع قد اشارت الى ان التهمة المسنده للمتهم كما هي وارده في لائحة الاتهام خلافاً لاحكام المادة 334/1 من قانون العقوبات خطأ والصحيح هي المادة 344/1 من ذات القانون وكذلك في منطوق الحكم.

على اعتبار ان المادة 334/1 تتعلق بالايذاء المقصود وهي تختلف من حيث اركانها وعناصرها عن التهمة المسنده للمتهم وهي التسبب بالايذاء عن غير قصد خلافا لاحكام المادة 344/1 من قانون العقوبات وان  تشابهت في مقدار الحد الاعلى لعقوبة الحبس.

-   وحيث ان الخطأ المادي وقع في مادة الاسناد 334/1 بدلاً من 344/1 حسب الوقائع المثبته في الحكم المستأنف والحكم المطعون فيه لهذا نقرر تصحيح الخطأ المادي في مادة الاسناد لتصبح المادة 344/1 من قانون العقوبات كما هي وارده في لائحة الاتهام وحيثيات الحكمين الصادرين عن محكمة الدرجة الاولى ومحكمة البداية بصفتها الاستئنافية بدلاً من 334/1 اينما وجدت طبقاً لما نصت عليه المادة 369/1 من قانون الاجراءات الجزائية.

-   وعن أسباب الطعن جميعاً

نجد أنه يتعين على محكمتنا البحث فيما يلي :-

          1- من حيث الواقعة الجرمية

وفي ذلك نجد ان الواقعة الجرمية التي توصلت اليها محكمتا الموضوع نتيجة وزن الادله وتقدير البينات تتلخص في انه :-

1- أدخلت والدة الطفل م. الى مستشفى عاليه الحكومي للولاده بحدود الساعه العاشرة صباحاً بتاريخ 29/3/2012 ، وتمت ولادتها بإجراء عملية قيصريه ، وقد أنجبت توأم ذكور اسمياه م. وم. .

2- خرجت الوالده والطفلين في اليوم التالي عصراً من مستشفى عالية الحكومي بتاريخ 30/3/2012 على مسؤولية الاهل ، بدون تقرير خروج من المستشفى سواء للام او الطفلين .

3- حضر الاهل الى عيادة صحة الظاهرية في المره الاولى بتاريخ 1/4/2012 لعمل فحص الكعب (PKU  ) للطفلين التوأم ، اي بعد يوم ونصف من مغادرة الوالده وطفليها مستشفى عاليه الحكومي ، وبرفقتهما الشاهديتن ن. وي. ، وان الممرضه م.ك قامت باجراء الفحص للطفل م. وقامت المرشدة الصحية ن. بإجراء الفحص للطفل م. ، واثناء ذلك لاحظت وجود اصفرار عليه وقامت المرشده الصحية بالطلب من جدة الطفل م. ان تقوم بعرضه على طبيب الصحة (المتهم ع.) بسبب وجود الاصفرار حيث كان يظهر عليه الاصفرار بشكل واضح ، وبالفعل توجهت جدة الطفل م. الى عيادة الصحة وكان الطبيب المناوب في ذلك اليوم المتهم ع.، وان المتهم المذكور لم يقم بفحص الطفل م. سريرياً او النظر اليه واكتفى بالقول لها ان تقوم والدته بارضاعه رضاعه طبيعية بصورة جيده ، وانه لم يتم تسجيل الطفل م. في ذلك اليوم للعلاج في سجل العياده .

4- حضر الاهل الى عيادة صحة الظاهرية في المره الثانية بتاريخ 2/4/2012 لأخذ طعم السل للطفلين وكان عمر الطفل م. خمسة أيام ، حيث تم اعطاءه التطعيم بدون أخذ العلامات الحيوية حسب المتبع في العياده ، وسألت الممرضه الاهل المرافقين ان كانوا عرضوا الطفل م. على الطبيب في اليوم السابق فأجابوا بنعم وبأنه قدم لهم النصح بأن تقوم والدته بارضاعه رضاعه طبيعية ولم تطلب منهم التوجه الى الطبيب مره أخرى .

5- وفي نفس اليوم اي بتاريخ 2/4/2012 مساءاً لاحظ الاهل على الطفل م. انه بحالة هزل وبقى لونه أصفر وتم عرضه على طبيب اطفال في عيادته الخاصه الدكتور ط.ا ، ولدى الكشف على الطفل م. تبين له وجود صفار وقام بعمل فحص صفار للطفل ووجد نسبة الصفار 26% وهي نسبة خطيره وطلب اجراء فحص مخبري للطفل كونه لا يرضع ولوجود صفار وباطلاعه على نتيجة الفحص تبين له ان الطفل لا يرضع عندها قام بتحويل الطفل م. الى مستشفى الهلال الاحمر بسبب قلة الرضاعه والصفار وارتفاع درجة الحرارة .

6- لدى وصول الطفل م. الى مستشفى الهلال الاحمر قام طبيب الاطفال الدكتور م.ص باستقبال الحالة مباشرة وقام بإجراء فحص للحرارة فتبين ان درجة حراراته مرتفعه حيث بلغت 39 درجة مؤيه وكان لديه اصفرار عام في الجسم ملاحظ بالعين المجردة ، وكان يظهر عليه أعراضاً عامه حيث كان لديه بكاء بشكل متواصل وكان عنده شد في منطقة الرقبة حيث لم يكن بالامكان وضعه بشكل مستوي على السرير ، وتم ادخاله الى المستشفى قسم الخداج وقام باجراء العلاجات الطبية اللازمه ، حيث قام باجراء فحص لنسبة الصفار وكانت النسبة لديه 29% ، ولأنه في أية حالة طبيعية كطفل يبلغ من العمر خمسة أيام يجب الا تتجاوز نسبة الصفار لديه عن 15% ، لذلك قام مباشرة باجراء فحوصات شاملة وتبين ان السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة الصفار لديه هي اختلاف فصيلة دم الطفل م. عن فصيلة دم والدته وهذا الاختلاف هو سبب الصفار لدى الطفل م. حيث أدى الى تكسر صفائح الدم الحمراء لديه .

7- بعد ذلك قام الدكتور ا.ع بالاشراف على علاج الطفل م. في مستشفى الهلال الاحمر واكد انه من خلال الفحوصات التي تمت للطفل م. فإن الصفار الذي كان موجوداً لديه كان ناتج عن تكسر في كريات الدم الحمراء بسبب اختلاف فصيلة دمه عن فصيلة دم الام ، وبسبب ذلك فإن ظهور الصفار يكون منذ اليوم الاول للولاده وان الطفل م. وصل الى مستشفى الهلال الاحمر ونسبة الصفار لديه 29% حيث ادت هذه النسبة الى تسمم على الدماغ وترسب المادة الصفراء في المراكز الدماغية المسؤوله عن تنظيم الحركة واتلاف عصب السمع والقوقعه مما ادى الى عجز كبير في السمع والحركة وهذه الحالة نتيجة ارتفاع نسبة الصفار له ، وان ما وصلت اليه النتيجة المرضيه للطفل م. غير مسترجعه ولا يمكن علاجه وتنظيم تقرير طبي بذلك المبرز ن/2 .

هذه الوقائع ثابته من خلال البينات التي تمثلت في شهادة الشهود كل من والد الطفل المشتكي ط. ون. وم. وي. وم. ون. والدكتور ط.هـ والدكتور م.ج والدكتور ا.ع والتقرير الطبي المنظم من قبله المبرز ن/2 .

- وهي بينات قانونية صالحة للاثبات تؤدي الى الوقائع التي توصلت اليها محكمتا الموضوع فإن الاعتماد عليها في استثبات الوقائع يكون متفقاً واحكام القانون وانها جاءت مستخلصه استخلاصاً سائغاً ومقبولاً .

- من حيث التطبيقات القانونية

- وبتطبيق القانون على الوقائع الثابته المشار اليها سابقاً نجد :

- ان مهمة المحكمة الكشف عما اذا كان قد وقع من طبيب الصحة (المتهم الطاعن) اهمال وتقصير محققين بوضوح وعدم الالتزام ببذل عناية وعدم اتخاذ الاحتياطات التي يمليها الحذر العادي او جهل بالقواعد التي يجمع الاطباء على تأكديها ، وفيما اذا اثبت انه اظهر جهلاً بأصول العلم والفن الطبي .

- ونجد ان الالتزام الذي يقع على عاتق الطبيب هو التزام ببذل عنايه ، ويتلخص مضمون الالتزام بعناية في بذل الجهود الصادقه واليقظه التي تتفق والظروف القائمه والاصول العلمية الثابته بهدف متابعة حالة المريض الصحية وشفائه وتحسن حالته الصحية فالاخلال بمثل هذا الالتزام يشكل خطاءأ طبياً يثير مسؤولية الطبيب .

- فالخطأ الطبي هو تقصير في مسلك الطبيب وطاقمه الطبي ، فيسأل الطبيب والطاقم الطبي عن كل تقصير في مسلكه الطلب لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي احاطت بالطبيب المسؤول ، كما يسئل عن خطأه العادي أيا كانت درجة جسامته فمعيار الخطأ هنا هو المعيار العام أي المعيار الموضوعي الذي يقيس الفعل على أساس سلوك معين لا يختلف عن حالة الى اخرى وهو سلوك الشخص المعتاد اي ان المحكمة في سبيل تقدير الخطأ في علاج مريض تقيس سلوكه على سلوك طبيب آخر من نفس المستوى طبيباً عاماً ام طبيباً متخصصاً .

- وان الطبيب الذي يخطئ مسؤول عن نتيجة خطأه ويسأل عن اهماله سواء اكان خطاءأ جسيماً او بسيطاً ، فيسأل عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي احاطت بالطبيب المسؤول كما يسأل عن خطأءه العادي أيا كانت درجة جسامته .

- ويسأل الطبيب والطاقام الطبي عن حالة الامتناع او عدم متابعة المريض لدى مراجعته له اثناء وجوده في العيادة والتدخل في الوقت المناسب لانقاذ المريض ، ويقدر التأخير محكمة الموضوع على ضوء مدى ظروف الطبيب وارتباطاته ومشاغله ومدى خطورة الحالة المعروضه أمامه ، وطريقة مراجعة المريض له في العياده ، وتثور مسؤولية الطبيب والطاقم الطبي كذلك في الحالات التي ينقطع فيها الطبيب عن معالجة مريض في وقت غير لائق وبغير مسوغ قانوني الا اذا اقام الدليل على وجود القوه القاهره او الحادث الفجائي..

وكقاعده عامه فإن المحكمة تقيم مسؤولية الطبيب والطاقم الطبي حيث استشف من وقائع الدعوى ان الطبيب والطاقم الطبي لم يباشر العلاج والعناية بالمريض بطريقه تنم عن اهمال وتقصير ولا مبالاه ودون اتباع الاصول الطبية المتعارف عليها في هذا الشأن ، وترك المريض دون أن يقوم بمعاينته ومتابعة حالته واجراء الفحوصات الطبية اللازمه والحصول على المعلومات الضرورية عن حالته اولاً بأول مما ترتب على ذلك التأخير في تشخيص الحالة ونقلها الى غرفة العناية او نقلها الى مستشفى التي كانت تتطبلها حالة المريض المستعجلة.

- وقد استقر الاجتهاد القضائي على ان وصف الفعل بأنه خطأ او غير خطأ يعد من المسائل القانونية التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمتنا وقيام رابطة السببيه بين الخطأ والضرر ، فهو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع ، فيجب ان تستخلص المحكمة الخطأ من وقائع ثابته منتجه تذكرها في الحكم والا كان حكمها مشوب بعيب القصور في التسبيب والتعليل وفساد في الاستدلال ، وللمحكمة استعمال صلاحيتها في استخلاص الخطأ من كافة البينات والقرائن متى كانت قاطعة الدلالة على حدوثه ، ويقع الخطأ على أساس ان الضرر ما كان ليحدث لولا وقوع خطأ من الطبيب والطاقم الطبي ، وينبغي في جميع الحالات على المحكمة ان تبين ماهية السلوك الذي صدر من الطبيب والطاقم الطبي منطوياً على اهمال وعدم تبصر وقلة حيطه واحتراز وعدم العناية والرعاية المطلوبين .

- وتجد محكمتنا ان القرار بقانون رقم 31 لسنة 2018 بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية وفي المادة 19 منه قد عرفت الخطأ الطبي هو ما يرتكبه مزاول المهنة ويسبب ضرراً لمتلقي الخدمة نتيجة اي من الاسباب الاربعة التي عددتها المادة المذكورة وان المادة 20 قد نصت على ان تحدد المسؤولية الطبية والصحية على مدى الالتزام بالقواعد المهنية السائده وتدخل في تحديدها البيئة الطبية والمعايير الخاصه بها والعوامل والظروف التي تسبق او تتزامن او تتبع عمل مقدم الخدمة الطبية والصحية .

وفي المادة 21 منه قد حددت الحالات الاربعة التي لا يعد الضرر فيها ناتجاً عن خطأ طبي

- وقد ثبت من خلال تلك البينات المتمثله ببينات النيابة العامة والدفاع والتقرير الطبي المبرز ن/2 وشهادة منظمه الدكتور ا.ع وتقريري اللجان وجود اهمال وتقصير وعدم رعاية وعنايه من مستشفى عاليه الحكومي الذي ولدت فيه والدة الطفلين تجاه الطفل م. ، ولم يتخذوا الاحتياطات التي يوجبها عليهم التزامهم بالحيطه كل حسب طبيعة عمله وذلك من حيث :

1- عدم اجراء الفحوصات الطبية اللازمه قبل واثناء عملية الولاده وبعدها والاشراف على تلك المراحل والاطلاع عليها ومتابعتها ومراقبتها.

2- عدم التشخيص الصحيح لحالة الطفل م. من قبل اخصائي الاطفال ومعرفة نسبة الصفار لديه وسبب ذلك والتعامل معهما بما يتفق والاصول الطبية المتعارف عليها .

3- خروج الوالده وطفليها في اليوم التالي من المستشفى رغم ولادتها بعملية قيصرية بدون تقرير خروج سواء للام او للطفلين ، حيث يجوز اخراج متلقي  الخدمه من مكان تقديم الخدمة اذا كانت حالته الصحية تسمح بذلك او كان بناء على رغبته في الخروج رغم تبصره بعواقب خروجه على ان يؤخذ اقرار كتابي منه او ممن يمثله قانوناً ، ويثبت ذلك في الملف الطبي له الامر الغير متوفر في هذه الدعوى .

4- عدم اعطاء تعليمات لوالدة الطفلين لمراجعة المستشفى في حال ظهور الصفار على المولودين او احدهما .

5- ان الاجراء المتعارف عليه طبياً في المستشفى في حال ولادة أي طفل وكان لديه صفار يتم فحص فصيلة دم الام واجراء فحص مخصوص لاثبات وجود تكسر في الدم للطفل ، وان كل طفل تكون فصيله دمه مختلفه عن دم فصيلة والدته يتم فصح الصفار لديه مع احتمالية تكسر في الصفائح .

6- كان على المستشفى الذي ولدت به والدة الطفل م. ان تتأكد من هذه الحالة باجراء هذه الفحوصات وحسب نسبة الصفار والمرتبطه ارتباطاً وثيقاً بعمر الطفل بالايام والساعات ، وان هناك عوامل مساعده قد تزيد نسبة الصفار مثل وجود التهابات وارتفاع درجة الحراره وحموضة الدم وعدم الرضاعه الطبيعية.

7- ان فحص الصفار معروف في البروتوكول الطبي ، حيث يجب عمله خلال مدة تتراوح ما بين سته الى ثمانية ساعات من الولاده ، وان اي طفل يقل عمره عن اربع وعشرون ساعه يكون طفل غير طبيعي ويجب وزنه ومعرفة فصيلة دمه وعدم وجود علامات الجرثومه ، وان مثل هذه الاجراءات بالعاده يجب ان يتم اجرائها في المستشفى التي ولدت بها الام.

8- كان على الطبيب المقيم في قسم الاطفال في المستشفى الذي ولدت به والدة الطفل م. ان يجري فحصاً شاملاً للطفل قبل خروجه ، وان خروج الطفل على مسؤولية اهله الشخصية قبل اجراء مثل هذه الفحوصات قد تؤدي الى الحاق الضرر بالطفل.

9- من الطبيعي ان لا تخرج الام من المستشفى قبل ثلاثة أيام من تاريخ الولاده من خلال عملية قيصرية وبيان فيما اذا كان خروجها سليماً من عدمه يحدده الطبيب الخاص في قسم الولاده ، ووجود فرق يومين او ثلاثة أو أربعة ما بين الخروج من المستشفى وعرض الطفل على طبيب الصحة واحالته الى مستشفى الهلال يؤدي الى ارتفاع كبير في نسبة الصفار لديه ، خاصه وان الطفل م. هو أحد التوأمين تبين أن شقيقه التوأم الأخر بأن نسبة الصفار كانت مرتفعه لديه ايضاً .

10- لا يقف التزام الطبيب المختص والطاقم الطبي له عند مجرد الولاده ، اذ يمتد التزامهم بالعنايه بالطفل م. وشقيقه م. عقب ذلك حتى يتفادى ما يمكن ان يترتب على الولاده من نتائج ومضاعفات للوالده الام التي ولدت بعملية قيصرية والمولود التوأم ، وكان على الطبيب الاخصائي ان يتأكد بنفسه بان إجراءات العناية والرعاية والفحوصات الطبية التي يلتزم القيام بها عقب الولاده وما حصل بعد الولاده قد تمت وفق الاصول الطبية المتعارف عليها .

-   ان المحكمة تستنتج هذا الخطأ والأخطاء اللاحقة من وقوع الضرر ذاته وهو حاله الطفل م. الذي استقرت عليه وفق ما جاء بالتقرير الطبي المبرز ن/2 وشهادة منظمه الدكتور ا.ع وشهادة الدكتور م.ج ، فإن إنحراف الطبيب عن أداء هذا الواجب بعد خطأ يستوجب المسؤولية عن الضرر الذي لحق بالطفل م. وفوت عليه فرصة العلاج ما دام هذا الخطأ قد تداخل بما يؤدي الى ارتباطه بالضرر ارتباط السبب بالمسبب ، ولا يصل ذلك بطبيعة الحال الى حد ضمان شفاء الطفل م. بل الاستمرار في الرعاية وبذل العناية الامر الغير متوفر في ظروف هذه الدعوى .

-   وان الحالة موضوع هذه الدعوى يكون فيها وقوع الضرر قرينه بسيطه على وجود خطأ ، وقد يبدو الضرر فيما كان للطفل م. من فرصة للشفاء لو لم يرتكب الخطأ الطبي ، وما كان له من فرصة الشفاء وكلاهما يمثل ضرراً مؤكداً .

-   وان حالة الام التي ولدت التوأم قبل الولادة وبعدها كانت طبيعية وكذلك التوأم ، وظهور الاصفرار على الطفل م. بعد الولاده نتيجة عدم تطابق فصيلة الام مع فصيلة دمه حيث كانت حالة عادية ، وانه في سبيل التحسن او على الاقل ليست نحو الاتجاه الاسوأ لولا تلك الاخطاء في متابعة حالة الطفل م. دون مبرر مقبول ساعد على تراجع حالة الطفل م. للأسوأ ، فالمحكمة تعتمد في ذلك على البينات والقرائن حيث كانت حالة الطفل م.تبعث على الاطمئنان الى شفائها الا ان الخطأ والاهمال والتقصير فوت عليه فرصه للشفاء يعتبر مرتبطاً بالضرر رابطه سببيه كافية لنشوء المسؤولية استناداً الى ان الخطأ الطبي قد فوت على الطفل م. فرصه اما في الشفاء او في الوصول الى نتائج أفضل او تجنب كل او بعض الاضرار التي لحقته ، وهذه الفرصه كانت قائمه وقويه وليست افتراضيه بل محققه.

فعلاقة السبب تقم بين الخطأ والسبب المباشر للحالة الصحية التي وصل اليها الطفل م. وقد فوت فرصة الشفاء لدى الطفل م. وحرم من فرصة الحياة بشكل طبيعي .

- وان القضاء يلقي التزاماً على عاتق الطبيب المختص والطاقم الطبي له في مستشفى عاليه والممرضه م. ك ، والمرشده الصحية ن.س والطبيب المتهم في المركز الصحي في الظاهرية وكذلك الاهل ولا يعفي هؤلاء الا اذا اثبتوا ان النتائج الضارة لعدم تدخلهم تعد غير متوقعه وضعيفة الاحتمال طبقاً للمجرى العادي للأمور .

- ومن المتفق عليه فقهاً وقضاءاً انه متى ثبت الخطأ والضرر وكان من شان ذلك الخطأ ان يحدث عادة هذا الضرر فإن القرينة على توفر علاقة السببيبة بينهما تقوم لصالح المضرور الطفل م. ، وللمسؤول نفي هذه القرينة بإثبات ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يدله فيه ، والسبب الاجنبي الذي تنتفي به رابطة السببيه هو بوجه عام الحادث الفجائي او القوه القاهره او وقع خطأ من المضرور او من الغير ، وقد يكون السبب الاجنبي عيباً او مرضاً خامراً بالمضرور او اذا نتج عن الضرر مضاعفة طبية معروفة الامر الغير متوفر في هذه الدعوى .

- وان تعدد الاخطاء المؤديه الى وقوع الضرر وتفاقمه وهو اصابة الطفل م. بالحالة المرضية الموصوفه بالتقرير الطبي المبرز ن/2 وشهادة منظمه الدكتور ا.ع ، يوجب مسألة كل من اسهم فيه أيا كان قدر الخطأ المنسوب اليه ، يستوي في ذلك ان يكون سبب مباشراً او غير مباشر في حصوله لعدم تعاملهم مع هذا الواقع كما يمليه عليهم واجبهم الطبي.

- وقد توافرت قرائن هامة ومتكامله يمكن القول بتوافر العلاقة السببية بين حالة الطفل م. الصحية التي وصلت اليها وتعدد الاخطاء ، فرابطة السببية تقوم في الحالات التي يشير فيها التقرير الطبي المبرز ن/2 وشهادة منظمه الى ان السبب بإصفرار جسم الطفل م. نتيجة اختلاف فصيلة دم الام مع فصيلة دم الطفل م. التي أدت الى تكسر في كريات الدم الحمراء ، وما خلصت اليه اللجنة الطبية المشكله من وزير الصحة في تقريرها ما يلي :-

1- الطفل م. كان يعاني من اصفرار نتيجة عدم تطابق دم الام مع دم الطفل م. .

2- كان يجب عمل فحص صفار للطفل م. قبل الخروج من مستشفى عاليه .

3- كان يجب على الممرضه او المرشده الصحية ابلاغ الطبيب المتهم بحالة الطفل م. وعدم الاكتفاء بنصح الاهل بالتوجه الى الطبيب المتهم .

4- من المفروض ان يقوم الطبيب المتهم بفحص الطفل م. بشكل جيد في حال تم ادخاله الى غرفة الفحص حتى وان لم يسجل للعيادة .

5- كان يجب اخد العلامات الحيوية للطفل م. قبل اعطائه مطعوم السل ، وعدم اعطائه المطعوم اذا تبين وجود مشاكل صحية عند الطفل م. والا بعد عرضه على الطبيب المتهم للفحص .

- وما خلصت اليه اللجنة الطبية المشكله من مدير صحة جنوب الخليل في تقريرها ما يلي :-

1- ان مشكلة الطفل م. الصحية ابتدأت منذ لحظة خروجه على مسؤولية الاهل من المستشفى.

2- هناك مشكلة عدم تطابق فصيلة الدم وهذه مشكلة كان يجب العمل عليها اثناء فترة الحمل ولم يتم العناية بها .

3- هناك ( potential sepsis ) وهذه قد تكون ابتدأت من المستشفى او اي لحظه من بعد الولاده .

4- حضر الطفل الى عيادة الرعاية الاولية ( الظاهرية ) لعمل فحص ( PKU ) ولم يحضر لاعلان شكوى او مرض .

5- ان ملاحظة المرشدة الصحية للصفار ونصحها جدة الطفل م. بادخاله الى الطبيب المتهم لا يعفيها من مسؤولية عدم اصطحابهم الى غرفة الطبيب المتهم والمتابعه وتبليغ الممرضة المسؤولة عن ذلك .

6- أن اعتبار الطبيب المتهم وتعامله مع الحالة وكأنها حالة اصفرار فسيولوجيه عاديه واعطائها التعليمات للتعامل مع الحالة لا يعفيه من المسؤوليه لفحص الطفل م. بالرغم من أن ذلك لا يوجد ضمن بروتوكول الحالات المشابهه لذلك .

-   ولا يشترط في اعتبار تعدد الاخطاء هو السبب في حالة الطفل م. الصحية التي وصلت اليها ولكنها السبب في حرمانه من فرصة حقيقية في الشفاء او في الحياة بصورة طبيعية ، وضياع فرصة الطفل م. في الشفاء او التحسن او تفادي اضرار معينه .

-   فالشك حول قيام رابطة السببيه يفسر دائماً لمصلحة المتهم ، اما في المسؤولية الطبية فإن الاجتهاد القضائي عن طريق ضياع الفرصه يقيم قرينة شبه دائمه عند ثبوت خطأ الطبيب لمصلحة المريض على قيام علاقة السببية بين هذا الخطأ وبين فوات الفرصه في الشفاء او الحياة بصوره طبيعية قيام قرينة على مسؤولية الطبيب .

-   بمعنى انه وان كان اعتبار التزام الطبيب التزاماً ببذل عناية خاصه الا ان الجهة المشتكية التي انكرت على الطبيب بذل العناية الواجبة فإن عبء اثبات ذلك يقع عليها ، الا انه اذا اثبتت الجهة المشتكية واقعة ترجح اهمال الطبيب والذي نتج عنه حالة الطفل م. الصحية لم يكن يقتضيه السير العادي بعد الولاده وفقاً للأصول الطبية المستقره ، فإن الجهة المشتكية تكون بذلك قد اقامت قرينه قضائية على عدم تنفيذ الطبيب لالتزامه فتنقل عبء الاثبات بمقتضاه الى الطبيب ويتعين عليه لكي يدرأ المسؤولية عنه ان يثبت قيام حالة الضرورة او السبب الاجنبي التي من  شانها ان تنفي عنه الاهمال .

-   وبذلك فقد كان على النيابة العامة ملاحقة الطبيب المختص ومن له علاقة من الطاقم الطبي في مستشفى عاليه ، والمرشده الصحيه ن. والممرضة م. في مركز صحي الظاهرية كمتهمين آخرين في هذه القضية .

-   لكي يتحمل كل منهم المسؤولية بالقدر الذي وقع منه الخطأ وما نشأ عنه من ضرر

-   وحيث تمت ملاحقة المتهم الطاعن بالتهمة المسنده اليه مما ينبئ على كل ذلك ان اركان وعناصر جنحة التسبب بالايذاء عن غير قصد بسبب الاهمال وقلة الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والانظمة قد توافرت بحقه طبقاً لما نصت عليه المادة 344/1 من قانون العقوبات مما يقتضي ادانته بهذه التهمة ، وحيث توصلت محكمة الدرجة الاولى الى هذه النتيجة وايدتها بذلك محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في حكمها المطعون فيه فإن أسباب الطعن مجتمعه لا ترد عليه مما يستوجب ردها من هذه الناحية .

-   الا اننا نجد من ظروف ووقائع هذه الدعوى ولتعدد الاخطاء الطبية وعدم ملاحقة الباقين مما يستدعي الاكتفاء بالحكم عليه بالحد الادنى من عقوبة الحبس المنصوص عليها في المادة 344/1 من قانون العقوبات وهي مدة شهر واحد ، وايقاف تنفيذ العقوبة وفق احكام المادتين 284 ، 285 من قانون الاجراءات الجزائية ، وهو امر تقديري يعود لمحكمة الموضوع ان شاءت قضت بذلك وان امتنعت فلا رقابة عليها من محكمتنا في ذلك ، كون الطاعن طبيب يعمل في مجال اختصاصه الطبي ، ولاعطائه الفرصه للإستمرار في عمله مما يستدعي نقض الحكم المطعون فيه من حيث مقدار العقوبة المحكوم بها .

-   لهذا كله واستناداً لما تقدم نقرر رد الطعن موضوعاً من حيث الادانه وقبول الطعن موضوعاً من حيث مقدار العقوبة ، واعادة الاوراق لمصدرها محكمة البداية بصفتها الاستئنافية لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة في ضوء ما بيناه.

-   حكماً صدر تدقيقاً بإسم الشعب العربي الفلسطيني بتاريخ 1/12/2019.